الفصل الثاني
بعض المواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام
مطلب في ذكر الأدلة
أخي الكريم:
إن الدارس للقرآن الكريم يجد آيات كثيرة أُنزلت في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها تفصيل للمواقف التي عاشها وأحكامها، وما يتعلق بها، فهل عاش الرسول صلى الله عليه وسلم حياته مفرداً ؟ لا خلاف بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش بين أصحابه وأهل بيته الكرام - رضي الله عنهم أجمعين-.
لذا فإن الآيات التي أنزلت فيهم كثيرة جداً ، وإليك عرض سريع لبعض المواقف وما أُنزل فيها من آيات لكي تدرك الترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ، وفضل تلك الصحبة، والفضل الذي لا حد له لمن عاش هذه المواقف مع المصطفى عليه السلام.
غــزوة بــدر
أنزل الله عز وجل في أحداثها سورة الأنفال، وقد تضمنت لطائف ودلالات على ما ذكرناه وهي كثيرة نقف مع ثلاث آيات منها.
قال الله تعالى: ( إِذْ يُغَشيكُمُ النّعَاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَ يُنزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السمَاءِ مَاءً لِّيُطهِّرَكُم بِهِ وَ يُذْهِب عَنكمْ رِجْزَ الشيْطنِ وَ لِيرْبِط عَلى قُلُوبِكمْ وَ يُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ ) [ الأنفال: 11 ].
تأمل في الآية وتدبر معانيها، فكر في معنى التطهير وإذهاب رجس الشيطان، والآية التي بعدها شهد الله لهم بالإيمان ( فَثَبِّتُوا الّذِينَ ءَامَنُوا ) لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : العل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (4).
فائدة هامة: أجمع كل من كتب في السيرة من الذين يشهدون بأن محمداً رسول الله وغيرهم أجمعوا بأن النفاق قد حصل بعد موقعة بدر ولم يكن قبلها نفاق فتنبه لهذا.
أخي القارئ الكريم:
قف وأمعن النظر والتأمل في آخر السورة
فالله سبحانه حكم بأن المهاجرين والأنصار بعضهم أولياء بعض. وفكر في دلالات قوله تعالى: ( الّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَ جَهَدُوا في سبِيلِ اللّهِ وَ الّذِينَ ءَاوَوا وّ نَصرُوا أُولَئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا لهُّم مّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَ الّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَ هَاجَرُوا وَ جَهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئك مِنكمْ وَ أُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتَبِ اللّهِ إِنّ اللّهَ بِكلِّ شيْءٍ عَلِيمُ ) [ الأنفال 75،74 ]، الله أكبر هنيئاً لهم أي وربي إنها والله الشهادة من المولى سبحانه للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بالإيمان وتأمل في قوله ( حقاً ) تأكيد ثم قال سبحانه: ( لهُّم مّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) فهل لمؤمن أن يطعن بهم مع هذه الشهادة والتأكيدات؟
غزوة أحد
في أحداثها وما يتعلق بها أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه ستين آية من سورة آل عمران وما تضمنته السورة من الثناء على الصحابة يستحق دراسة موسعة مفردة.
ومن أول آية تجد الترابط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجنده والشهادة لهم من الله تعالى بالإيمان قال الله تعالى : ( وَإِذْ غَدَوْت مِنْ أَهْلِك تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَعِدَ لِلْقِتَالِ ... ) الآية ، ثم تمضي الآيات وفيها بيان لما حصل وحتى في آية العتاب التي فيها ذكر أسباب الهزيمة تجد قوله سبحانه (عفا عنكم ) العفو من الله لهم ، وتأمل في وصف حالهم بعد نهاية المعركة، بل النصر المبين الذي حصل لهم، وهروب قريش منهم. ورجع المؤمنون بفضل الله.
قال الله تعالى: ( الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاس إِنّ النّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَناً وَقَالُوا حَسبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَ فَضلٍ لّمْ يَمْسسهُمْ سوءٌ وَ اتّبَعُوا رِضوَنَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران: 173، 1174 شهادة المولى لهم بزيادة الإيمان، وأنهم اتبعوا رضوان الله، ولا يخفى عليك بأن جميع الذين شهدوا غزوة أحد ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد (5) هم الذين نزلت فيهم الآيات.
وتأمل فيما ذكره الله في ختام الآية مما يدل على سعة رحمة الله.
غزوة الخندق
نزلت فيها آيات من سورة الأحزاب ومع قصرها إلا أن فيها تصوير بليغ للترابط بين الصحابة رضي الله عنهم مع الوصف الدقيق لحالتهم النفسية، وما أصابهم من جهدٍ وجوع وخوف وحرصهم على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخي القارئ :
تأمل في الآيات من آية 9 من سورة الأحزاب التي نادى الله بها المؤمنين وذكر نعمته عليهم في تلك المواقف: ( يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا ) الآيات ثم ذكر المولى نعمته عليهم مرة أخرى بكف يد العدو عن القتال وشهـد لهم بالإيمان بقوله سبحانه ( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) ثم ذكر الله آيتين فيهما بيان لما حصل لبني قريظة القبيلة اليهودية المشهورة.
فتأمل في الآيات وتلاوتها بتدبرٍ وقف عند قوله تعالى : ( وَلَمّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَاب قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسولُهُ وَصدَقَ اللّهُ وَرَسولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَناً وَتَسلِيماً ) وفضل الله سبحانه وتعالى واسع لا يمكن أن يقال بأن هذا خاص بأفراد مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
من هم الذين قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ؟ ومن هم الذين حفروا الخندق مع الرسول عليه السلام ؟
وتأمل في شهادة المولى لهم بالإيمان وزيادته. وكذلك فضل الله عليهم في الدنيا الذي ذكره الله في هذه السورة.
من هم الذين ورثوا بني قريظة ؟ ومن هم الذين حاربوا اليهود ؟
قال الله تعالئ: ( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضهُمْ وَ دِيَرَهُمْ وَ أَمْوَلهَُمْ وَ أَرْضاً لّمْ تَطئُوهَا وَ كانَ اللّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ قَدِيراً ) لأحزاب: 27 ، بعد أن ذكر فضله على المؤمنين بفتح حصون اليهود وإنزال الرعب في قلوب اليهود ، وقتل اليهود وأسرهم. هلا قمت بتلاوة الآيات من أول القصة ( يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَ كانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) حتى النهاية ( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضهُمْ وَ دِيَرَهُمْ وَ أَمْوَلهَُمْ وَ أَرْضاً لّمْ تَطئُوهَا وَ كانَ اللّهُ عَلى كلِّ شىْءٍ قَدِيراً ) من سورة الأحزاب تدبر معانيها وعش في ظلالها وتأمل التلاحم والترابط بين القائد وجنده والخطاب من الله لهم جميعا.
صلح الحديبية
أيها القارئ الكريم: لا يخفى عليك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا ذكرها الله في سورة الفتح ( لّقَدْ صدَقَ اللّهُ رَسولَهُ الرّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسجِدَ الْحَرَامَ ) إلى آخر الآية. ورؤى الأنبياء عليهم السلام حق كما تعلم ، وكانت هذه بشارة للمؤمنين بعد البلاء الشديد الذي أصابهم في غزوة الخندق. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بها ونادى بالمسير إلى العمرة ، نعم يريد مكة معتمراً ، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وسار النبي صلى الله عليه وسلم بالسابقين من المهاجرين والأنصار وعددهم ألف وأربعمائة مقاتل.
تخلف كثير من الأعراب عن المشاركة ولم يشارك من المنافقين إلا رجل واحد.
فكر وتأمل في الحكمة ؟
سار الركب الراشد ، وجنبات البيداء تردد معهم صدى التكبير والتهليل.
وقامت قريش بالاستعداد لمنعهم من دخول مكة. وفي الحديبية حصلت البيعة ، بايع المهاجرون والأنصار الركب الراشد ، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر وعدم الفرار وهي بيعة ا لرضوان.
الاشتياق إلى مكة يفوق الوصف، وعندهم البشارة بدخولها ، ولكن محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته والتأسي به والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله ، هي سمة ذلك الجيل. وأكرمهم الله سبحانه وتعالى بما أنزل فيهم من آيات.
أيها القارئ الكريم : تأمل وأنت تتلو سورة الفتح وتدبر في معانيها. قال الله عز وجل: ( إِنّا فَتَحْنَا لَك فَتْحاً مّبِيناً (1) لِّيَغْفِرَ لَك اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِك وَ مَا تَأَخّرَ وَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَ يهْدِيَك صِرَطاً مّستَقِيماً (2) وَ يَنصرَك اللّهُ نَصراً عَزِيزاً ) الفتح : 1، 2، 3، يذكر الله سبحانه فضله على الحبيب عليه السلام ثم يبين المولى عز وجل فضله علي الصحابة الكرام وما حصل لهم من السكينة التي أثمرت زيادة الإيمان.
ثم ذكر المولى سبحانه وتعالى بيعة الرضوان ، قال الله تعالى: ( لّقَدْ رَضيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تحْت الشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فى قُلُوبهِمْ فَأَنزَلَ السكِينَةَ عَلَيهِمْ وَ أَثَبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) .
إنها حقيقة يعجز الإنسان عن وصفها مهما أوتي من بلاغة وفصاحة.
نعم رب العالمين - سبحانه وتعالى- رحم هذه الفئة المؤمنة وأوحى إلى سيد البشر عليه السلام بما حصل منهم وذكر أدق الأوصاف وأخفى الأسرار ( مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) .
وإن الصحابة بلغوا الغاية في الصدق والإخلاص وطلب رضوان المولى ، فنالوا الفوز المبين- رضي الله عنهم- كل فرد منهم بايع تحت الشجرة- مكان البيعة- يعلم بأنه داخل في الخطاب ويمشي علي الأرض وهو يعلم بأنه نال الشرف والسعادة ، والفوز المبين في الآخرة والغنائم في الدنيا.
تأمل في الآيات! وقل معي كيف يسوغ لعاقل أن يتكلم فيهم ؟؟
أو قولهم بأن الله عز وجل بدا له السخط بعد الرضا يا سبحان الله!
ولا أطيل في النقاش واكتفي بالرد علي هذه التأويلات بآية من كتاب الله فتأمل في الآية وتدبر في معانيها، وهي في غاية الوضوح والبيان، وفيها شفاء لما في الصدور، والطاعنون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاروا فيها ، وعجز خيالهم نعم حتى الخيال في الرد علي الآية أو وضع تأويل لها لم يستطع ، وارتد خاسئاً وهو حسير، ولم أقف لهم علي قولٍ فيها.
ولكن المراء والجدال ، واتباع الهوى ، منع الناس من اتباع الحق.
وإليك الآية قال الله تعالى: ( وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الأَنصارِ وَ الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسانٍ رّضىَ اللّهُ عَنهُمْ وَ رَضوا عَنْهُ وَ أَعَدّ لهَُمْ جَنّتٍ تَجْرِى تحْتَهَا الأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 100
فتأمل فيها وفي العموم في قوله سبحانه ( السابِقُونَ الأَوّلُونَ ) منهم؟
جاء البيان بقوله سبحانه : ( مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الأَنصارِ ) نعم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم والذين نصروا هم السابقون بنص القرآن فلا يمكن الرد أو التأويل وكن من الصنف الثالث تفز يا عبد الله ( الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسانٍ ) فإن الصحابة أئمة يقتدى بهم رضي الله عنهم (6).
وتأمل في التأكيدات والمبشرات ( رّضىَ اللّهُ عَنهُمْ ) و ( وَ رَضوا عَنْهُ ) وقوله ( وَأَعَدّ ) بصيغة الماضي والتمليك ( لهَُمْ ) والخلود والتأبيد ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) .
وتأمل في ذكر الأعراب والمنافقين في سياق الآيات نعم لا يمكن لمن يقرأ الآية وهو يؤمن بأن القرآن كلام الله ويفهم لغة العرب لا يمكنه إلا التسليم بفضل الصحابة.
أيها القارئ الكريم : اسمح لي بالإطالة اليسيرة هنا عند قوله تعالى: ( محَمّدٌ رّسولُ اللّهِ وَ الّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سجّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللّهِ وَ رِضوَناً سِيمَاهُمْ فى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السجُودِ ذَلِك مَثَلُهُمْ فى التّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فى الانجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شطئَهُ فَئَازَرَهُ فَاستَغْلَظ فَاستَوَى عَلى سوقِهِ ) الفتح: 29، نعم ورد ذكر الصحابة في التوراة والإنجيل. وبيان خصالهم الحميدة ، وصفاتهم التي تميزوا بها.
محمد صلى الله عليه وسلم إمام المرسلين ، وأصحابه هم خير الأصحاب ( وَالّذِينَ مَعَهُ ) حقيقة الموالاة ، والإخاء، والتآلف معه في السراء والضراء ، ( أَشِدّاءُ عَلى الْكُفّارِ ) من الآباء والأهل والعشيرة وذلك لله وهم ( رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ ) الدارس للسيرة يُدرك ما وصلوا إليه من محبة وإخاء في الدين ، والتطبيق العملي للرحمة بينهم لا حصر لها من: إيثار على النفس : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بهِمْ خَصاصةٌ ) وموالاة صادقة ، ( فبعضهم أولياء بعض ) وقال تعالى ( بعضهم من بعض ) بهذا وصفهم الله سبحانه وتعالى ، والواجب الأخذ بما ورد في القرآن في وصفهم ( رُحَمَاءُ بَيْنهُمْ ) وأن الموالاة بينهم والتراحم هو الأصل لأن الله سبحانه وصفهم به فعلينا الأخذ به وترك ما ذكره أصحاب الأساطير التاريخية وهذه مسألة في غاية الأهمية عندنا آيات محكمات ويقابلها روايات الله أعلم بسندها ومتنها مضاد للقرآن. فتأمل في الآيات وفيما تعتقد هل هو مطابق للقرآن ؟ أم أنت متأثر بأساطير التاريخية ؟
والصحابة هم أصحاب العبادة وهي سمتهم فهم كما قال الله تعالى ( تَرَاهُمْ رُكّعاً سجّداً ) وهذا الوصف فيه تكريم لهم حيث ذكر أهم حالات العبادة الركوع والسجود والتعبير يشعرك كأنما هذه هيئتهم الدائمة، وهي كذلك لأن محبة الركوع والسجود مستقرة في قلوبهم، وقلوبهم معلقة بالمساجد.
فكأنهم يقضون زمانهم كله ركعاً سجدا والدليل على ذلك قوله سبحانه في الثناء على قلوبهم وصدق نياتهم قال الله تعالى : ( يَبْتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللّهِ وَ رِضوَناً ) هذه مشاعرهم ، ودوافعهم ورغباتهم ، كل ما يشغل بالهم طلب فضل الله ورضوانه.
فليس للدنيا في قلوبهم محل ، وهذه رغبة ظهرت أثارها على محياهم فلا كبر ولا خيلاء ، ولا غرور، بل التواضع والخضوع ، والخشوع لله سبحانه وتعالى وإشراقة نور الإيمان على سيماهم ، وليس المراد ما قد يتبادر إلى الذهن أن المراد العلامة في الجبهة التي تكون من أثر السجود ، وليس ثمة مانع من دخولها (7) بل ذكرها بعض السلف.
وتأمل: هذه صفاتهم عند اليهود في التوراة. ومقابل هذه الصفات ورد في الإنجيل صفاتهم عند النصارى فهم أقوياء أشداء ، مثل الزرع فهو ينبت ضعيفاً ثم يشتد وينمو. من المراد بالزرع؟
ومن هو الزارع ؟
ومن هم الذين يسؤهم حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعلهم ( لِيَغِيظ بهِمُ الْكُفّارَ ) .
وقد أكد الله المغفرة لهم وأن لهم أجراً عظيماً بقوله سبحانه : ( وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ مِنهُم مّغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيمَا ) ومن في قوله ( مِنهُم ) لبيان الجنس كقوله ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )
فتأمل ذلك
تأمل وفكر انظر إلى هذه الصور الفريدة في بيان واقع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وهذا مثلهم في التوراة والإنجيل ، وأنهم رحماء بينهم ، وتقرير الموالاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام حقيقة جاء توكيدها في القرآن في آيات كثيرة كما سبق بيانه ، وهي من أعظم نعم الله على الصحابة قال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسولَ اللّهِ ... ) الآية الحجرات.
وهذه السورة فيها دلالات عظيمة على فضل الصحابة وستأتي إشارة لذلك.
استقبال الوفود
سورة الحجرات فيها آيات في غاية الوضوح على فضل الصحابة وقد اشتملت السورة على كليات في الاعتقاد والشريعة ، وحقائق الوجود الإنساني وفيها بيان لمعالم المجتمع المسلم وتقرير الأخوة الإيمانية ومحاربة كل ما يضادها ويضعف كيانها.
نقف وقفتين مختصرتين مع الآيات التي تخص بحثنا.
أولاً : الآداب التي ينبغي التأدب بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان ما عليه الأعراب.
تبدأ السورة بمناداة المؤمنين بوصفهم لأجل التسليم لأمر الله ورسوله وعدم التقدم بين يديه بل عليهم الرضا والتسليم وعدم التعجل في الاقتراحات على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعليهم ألا يقولوا في أمرٍ قبل بيان الله سبحانه وتعالى ومن باب أولى الفعل.
وانظر إلى الأدب الرفيع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الكلام وعدم رفع الصوت وتأمل في التفريق بين توجيه المولى سبحانه وتعالى للصحابة وما ذكره عز وجل عن الأعراب وهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وهذه لها دلالات من أهمها اختلاف منازل الصحابة رضي الله عنهم.
فتأمل وتدبر :
في الآيات صور حية من واقع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام.
ثانياً : ما تضمنته الآيات من فضل الصحابة ففيها النص الصريح على النعمة الكبرى وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ( وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسولَ اللّهِ ) ماذا يعني ذلك؟ أن الوحي ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معهم اتصال بين الخلق هذه الفئة المؤمنة مع الخالق رب العالمين سبحانه وتعالى بواسطة الرسول الأمين عليه السلام.
يأتيهم خبرهم وما هم عليه ، وحتى ما في قلوبهم، والفصل في النوازل التي تنزل بهم والحكم فيها.
حتى القضايا الفردية: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) ورضي الله عن أم هانئ لما بكت على انقطاع الوحي وبكى من عندها من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في القصة المشهورة لما زارها الصديق ومن معه تأسياً بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لها.